Ultimate magazine theme for WordPress.

قراءة وتحليل الخطاب الملكي أمام البرلمان للدكتور الحسين اموح شهراوي

141
 بقلم الحسين اموح شهراوي*

 

الخطاب الملكي.. بين يقظة الدولة ورسائل الإصلاح العميق
في ظل ما يعرفه المغرب من احتجاجات شبابية واجتماعية متنامية، حمل الخطاب الملكي الأخير دلالات سياسية وأخلاقية عميقة، يمكن اعتبارها بمثابة نقطة انعطاف جديدة في علاقة الدولة بالمجتمع، وفي رؤية المؤسسة الملكية لمفهوم المسؤولية والتدبير العمومي في زمن التحولات.
أولًا: خطاب الجدية والمسؤولية
جاء الخطاب الملكي مشبعًا بروح الصرامة والوضوح، مؤكدًا على أن المرحلة المقبلة لا تحتمل التردد أو الارتجال، بل تتطلب “الجدية” في العمل، و“المسؤولية” في ممارسة السلطة. هذه المفردات ليست جديدة في القاموس الملكي، لكنها اكتسبت في هذا السياق دلالة مضاعفة، باعتبارها ردًّا غير مباشر على مظاهر التراخي السياسي، وسوء التدبير الإداري، وضعف الوساطة الحزبية.
إن دعوة الملك إلى الجدية، هي في عمقها دعوة لإعادة ترتيب المشهد الداخلي، ووضع حد للفجوة المتزايدة بين الخطاب الرسمي وحياة المواطنين اليومية، خصوصًا في ظل تصاعد الغضب الاجتماعي الناتج عن تدهور القدرة الشرائية وتراجع الثقة في المؤسسات.
ثانيًا: يقظة الدولة أمام التحولات الاجتماعية
الخطاب كان واضحًا في تأكيده على ضرورة الالتزام بقضايا الوطن والمواطنين، وعلى أهمية العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص. هذه العناوين الكبرى ليست شعارات ظرفية، بل تمثل – من منظور تحليلي – محاولة لإعادة بناء الثقة العمومية في زمن يطالب فيه الشارع بربط المسؤولية بالمحاسبة وبإعادة توزيع عادل للثروة.
كما أن الاهتمام بالمناطق الجبلية والواحات واعتبارها ضمن الأولويات الاستراتيجية، يعكس تحولًا في الوعي الرسمي تجاه الهامش المنسي الذي طالما كان وقودًا للاحتجاج وفضاءً للتفاوتات المجالية. إنها إشارة إلى أن المغرب الرسمي بات يدرك أن توازن الدولة يبدأ من إنصاف الأطراف، لا من ترميم المركز فقط.
ثالثًا: بين السطور.. رسائل إلى الداخل السياسي
من يقرأ الخطاب بعين فاحصة، يلاحظ أن الملك وجه رسائل دقيقة إلى النخب الحزبية والإدارية. فحين يتحدث عن “تفادي التناقض والتنافس بين المشاريع” وضرورة “تأطير المواطنين بفعالية”، فهو في الواقع ينتقد ضمنيًا ضعف التنسيق الحكومي، وغياب الرؤية المشتركة بين الفاعلين السياسيين.
الخطاب إذن ليس فقط توجيهًا، بل تنبيه إلى أزمة الوساطة التي جعلت الشارع يتكلم بدل الأحزاب، والمواطن يحتج بدل المؤسسات.
كما يمكن قراءة الخطاب أيضًا كـ تذكير بأن شرعية الدولة لا تُستمد من الشعارات، بل من النتائج الملموسة في حياة المواطنين، وأن زمن المجاملة السياسية قد انتهى.
رابعًا: دعوة إلى عقد اجتماعي جديد
في عمق الخطاب الملكي تتجلى إرادة لإرساء عقد اجتماعي جديد، قوامه المسؤولية المتبادلة بين الدولة والمجتمع. فالمطلوب اليوم ليس فقط برامج تنموية، بل تغيير في الثقافة السياسية نحو قيم الجدية، النزاهة، والنجاعة.
الرسالة الجوهرية إذن هي أن المغرب مقبل على مرحلة تصحيحية، تُعيد الاعتبار لقيم العمل والإنصات والمحاسبة، في مواجهة مرحلة من الإرهاق المؤسساتي وفقدان البوصلة.
خاتمة: يقظة ملك وشعب يبحثان عن طريق جديد
يمكن القول إن الخطاب الملكي جاء ليعيد التوازن بين شرعية الدولة ومطالب المجتمع، وليفتح الباب أمام مراجعة عميقة لطرق التفكير والتدبير.
هي يقظة ملكية في زمن الاحتجاجات، تهدف إلى استباق الأزمة لا إلى احتوائها فقط.
ولعل الرسالة الأوضح بين السطور هي أن الملك لا يريد دولة غافلة ولا مسؤولين هواة، بل دولة تشتغل بجدية، ومسؤولين يَعون ثقل الأمانة، ومجتمعًا يجد في الوطن معنى العدل والانتماء.

 

*رئيس المكتب الجهوي مراكش آسفي للمنظمة الدولية للإعلام والدبلوماسية الموازية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات