الاتفاق الفلاحي بين المغرب والاتحاد الأوروبي يُعد أكثر من مجرد تفاهم تجاري؛ إنه تعبير عن تحول في منطق الشراكة، حيث لم يعد المغرب يُعامل كطرف هامشي بل كشريك استراتيجي له وزن سياسي واقتصادي. هذا الاتفاق، الذي يشمل المنتجات الفلاحية والبحرية، يُكرّس مبدأ المعاملة التفضيلية للمنتجات المغربية، بما فيها تلك القادمة من الأقاليم الجنوبية، وهو ما يُعد اعترافًا ضمنيًا بسيادة المغرب على هذه المناطق.
من الناحية الاقتصادية، الاتفاق يفتح الباب أمام الفلاح المغربي، خاصة في المناطق الصحراوية، ليُصدر منتجاته بشروط تفضيلية نحو السوق الأوروبية، مما يُعزز التنمية المحلية ويُحفّز الاستثمار. لكنه أيضًا يُلزم المغرب برفع جودة الإنتاج، واحترام المعايير البيئية والصحية الأوروبية، ما يُسهم في تحديث القطاع الفلاحي داخليًا.
أما من الناحية السياسية، فإن إدراج الأقاليم الجنوبية ضمن الاتفاق يُعد انتصارًا دبلوماسيًا هادئًا، يُفشل محاولات خصوم الوحدة الترابية في عزل هذه المناطق عن الشراكة الدولية. المغرب هنا لا يصرخ في المحافل، بل يُوقّع اتفاقيات تُترجم مواقفه إلى واقع قانوني واقتصادي.
الاتفاق أيضًا يُبرز قدرة المغرب على التفاوض من موقع قوة، مستندًا إلى استقراره السياسي، موقعه الجغرافي، ووزنه الإفريقي. إنه نموذج للدبلوماسية الاقتصادية التي تُراكم المكاسب دون ضجيج، وتُحوّل التعاون إلى اعتراف ضمني بالحق.
أما من زاوية رمزية، فإن توقيع الاتفاق في مقر المفوضية الأوروبية ببروكسيل، وبحضور ممثلين رسميين مغاربة، يُجسد تحولًا في طريقة إدارة المغرب لعلاقاته الخارجية: دبلوماسية هادئة، فعالة، وتستند إلى الشرعية القانونية والواقعية الميدانية.