Ultimate magazine theme for WordPress.

خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح البرلمان دعوة للفاعل العمومي لتسريع التنمية و تحقيق العدالة الاجتماعية و المجالية بروح من الحكامة و الجدية والالتزام المسؤول

187
الداخلة // احمد العهدي
كما هو معلوم يوم الجمعة 10 أكتوبر 2025، في اجواء حماسية خُصص فيها استقبال شعبي كبير، افتتح عاهلنا الكريم جلالة الملك محمد السادس ، حفظه الله و رعاه ، السنة الأخيرة من الولاية التسريعية الحالية لمجلس النواب ، مشيدا:” بالجودة المبذولة للارتقاء بالديبلوماسية الحزبية البرلمانية ، في خدمة القضايا العليا للبلاد ” داعيا جلالته ” إلى المزيد من الاجتهاد و الفعالية ، في إطار من التعاون و التكامل مع الديبلوماسية الرسمية”.
و الاكيد ان قراءة متعمقة متمعنة في مضامين هذا الخطاب الملكي السامي تستوقفنا عند ملاحظة اساسية مفادها أنه لا يعد فقط افتتاحا للسنة التشريعية الأخيرة ، بل هو رؤية استشرافية تصحيحية و بوصلة مرجعية و رسم خارطة الطريق لجيل جديد من الأصلاح البنيوي الذي يروم تأمين المفاتيح الذهبية لتحقيقه ، مجسدة في الجدية و الالتزام و حكامة التدبير و تسريع وتيرة الاجراة لتحقيق تنمية شاملة تهم ترسيخ العدالة الاجتماعية و المجالية ، مع مراعاة تحقيق التعاون و التضامن الوطني ، و الارتقاء بالعمل العمومي عتمادا على مقاربة التدبير بالنتائج المرتكزة على عناصر النجاعة و الفعالية و المردودية.
لقد دعا جلالة الملك محمد السادس إلى ترسيخ الجدية وتغليب المصلحة الوطنية.
لقد وجّه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، خطابًا ساميًا أمام أعضاء البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية، دعا من خلاله إلى التحلي بروح الجدية والالتزام بالمسؤولية في أداء المهام البرلمانية، مؤكدًا أن الغاية الأساسية من العمل المؤسساتي هي خدمة المواطن المغربي والدفاع عن مصالحه وقضاياه العادلة، و شدّد جلالته على أن التنافس بين المبادرات والمشاريع لا ينبغي أن يكون بدافع التفوق الحزبي أو السياسي، بل في إطار التوافق والتكامل الوطني، ما دام الهدف المشترك هو تحقيق التنمية الشاملة وتحسين ظروف عيش المواطنين.
وفي هذا السياق، أكد جلالة الملك على أهمية تعزيز قنوات التواصل مع المواطنين وتأطيرهم بخصوص مختلف المبادرات والإجراءات المتخذة، لاسيما تلك المتعلقة بالحريات الفردية والحقوق الأساسية. وأبرز أن هذه المسؤولية تقع على عاتق مختلف الفاعلين، من مؤسسات رسمية وأحزاب سياسية ومنتخبين ووسائل إعلام وسائر القوى الحية في البلاد.
كما دعا جلالته إلى تسريع وتيرة تنفيذ البرامج التنموية على المستوى الترابي، مع التركيز على خلق فرص الشغل، والارتقاء بجودة خدمات التعليم والصحة، والاهتمام بالمناطق الهشة، خاصة الجبلية والواحات، إلى جانب التفعيل الأمثل لمشاريع التنمية المستدامة بالسواحل الوطنية.
ويجدد هذا الخطاب الملكي التأكيد على ضرورة العمل الجماعي والتشاركي من أجل بناء نهضة تنموية متكاملة، قوامها الكفاءة والالتزام وروح المسؤولية، في سبيل خدمة الصالح العام وتغليب المصلحة الوطنية العليا.
و قبل الدخول في تحليل شامل ومُركَّز للخطاب، من حيث المضمون، و الدلالات، والرسائل السياسية والتنموية، لابد من وضع توطئة عبر قراءة اولية في السياق الوطني الذي أتى فيه هذا الخطاب و هو ظروف مرحلة دقيقة داخليًا وخارجيًا.
فقد عاشت العديد من مناطق بلادنا، كما تتبع الجميع، عبر كل الوسائط الإعلامية ، عاشت على إيقاع حركية اجتماعية من خلال تعبيرات شبابية لافتة تطالب بتحسين الخدمات الاجتماعية في قطاعي الصحة و التعليم وتوفير فرص الشغل و محاربةوالفساد.
و سياسيًا يوجد البرلمان على أبواب نهاية الولاية التشريعية، ما يجعل الخطاب بمثابة تقييم مرحلي ودعوة للتعبئة الختامية .
و على المستوى الاقتصادي اطلقت بلادنا جيلًا جديدًا من البرامج التنموية الترابية، ووهي تحتاج إلى متابعة تنفيذها ومراجعة مردوديتها.
و تأسيسا عليه، في اعتقادي الشخصي و تقديري المتواضع، فالخطاب لا يوجَّه فقط للبرلمانيين، بل هو خطاب تأطيري شامل موجّه إلى كل مؤسسات الدولة والفاعلين.
إن خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس بمناسبة إفتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية الحادية عشر:
دعوة صريحة للسير بسرعة واحدة في ما يخص الدينامية التنموية و الارتقات بالخدمات الاجتماعية بالوسطين الخضري و القروي، حيث قال جلالته :“ننتظر وتيرة أسرع وأثرا أقوى للجيل الجديد من برامج التنمية الترابية، التي وجهنا الحكومة لإعدادها، وذلك في إطار علاقات رابح – رابح بين المجالات الحضرية والقروية.”
إن البنية العامة الشاملة للخطاب تمنحنا إمكانية تقسيم الخطاب الملكي السامي إلى أربعة محاور أساسية:
1 محور سياسي برلماني ، حيث نورد هذا المقتطف من الخطاب: «ندعوكم إلى تكريسها للعمل بروح المسؤولية والتحلي باليقظة والالتزام في الدفاع عن قضايا الوطن والمواطنين.»
إن جلالة الملك يذكّر النواب بأن السنة الأخيرة من الولاية ليست سنةً انتخابية فارغة، بل سنة إنجاز.لذلك و من اجل ذلك هناك تشديد على أن العمل البرلماني لا يقتصر على التشريع، بل يشمل التأطير والتواصل مع المواطنين.
هذا فضلا عن إبراز قيمة الدبلوماسية البرلمانية والحزبية كرافد للدبلوماسية الرسمية.
اما الدلالة و الرسالة فواضحة ، لانها تحسم الموقف من “الجمود التشريعي” في نهاية الولايات، وتأكيد على تجديد الثقة في دور البرلمان كفاعل وطني لا انتخابي فقط.
2 محور اجتماعي تواصلي ، حيث أكد صاحب الجلالة انه «ينبغي إعطاء عناية خاصة لتأطير المواطنين ،والتعريف بالمبادرات…»
إنها بحق رؤية ملكية ثاقبة و راي ملكي حصيف يتضمن دعوة صريحة إلى شرح القرارات العمومية للمواطنين حتى لا تبقى السياسات غامضة أو غير مفهومة.
و هنا تكمن اهمية إشراك الأحزاب، و المنتخبين، و الإعلام، والمجتمع المدني في مهمة التوعية.
اكيد ان الدلالة الكامنة هنا، هي التوجيه نحو اعتماد نهج القرب عبر التواصل المؤسساتي، ودعوة لإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة عبر الوضوح والشرح.
3 محور تنموي ترابي ،
و تجلى اساسا في مقتطف الخطابوالملكي السامي الذي جاء فيه: «العدالة الاجتماعية ومحاربة الفوارق المجالية ليست مجرد شعار فارغ…»
إنه تأكيد صريح على أن العدالة الاجتماعية والمجالية هي توجه استراتيجي لا يخضع لتقلبات الظرفية السياسية و لا هي رهينة الزمن السياسي.
و جدير بالذكر ان الخطاب ربط مباشر بين التحول التنموي وتغيير العقليات وثقافة النتائج. فهو يتضمن الدعوة إلى:تنمية المناطق الجبلية والواحات (التي تغطي 30٪ من التراب الوطني).و كذلك تفعيل القانون والمخطط الوطني للساحل، و توسيع المراكز القروية كوسيلة للحد من التمدن الفوضوي.
اما دلالة هذه الإشارات التوجيهية فيمكن اختزالها في تطور في الرؤية التنموية نحو عدالة ترابية متوازنة تشمل الجبل والساحل والقرية، وربط التنمية بالرقمنة والنجاعة.
4محور أخلاقي تعبوي ، تجسد في قول جلالة الملك: «كونوا في مستوى الثقة الموضوعة فيكم… وما تتطلبه خدمة الوطن من نزاهة والتزام ونكران ذات.»
هكذا نلاحظ ان البعد القيمي حاضر بقوة ، متمثلا في الدعوة إلى الإخلاص، و النزاهة، ونكران الذات و جعل المصلحة العليا للوطن و خدمة المواطنين فوق كل اعتبار.
و ما يزكي الاسارة الى هذا المنحى القيمي هو ختام الخطاب الملكي بآية قرآنية كريمة ما يؤكد البعد الأخلاقي في ممارسة المسؤولية.
و بهذا يعيد جلالةالملك البوصلة الأخلاقية للسياسة، مؤكدًا أن الفعل العمومي لا يُقاس فقط بالأرقام بل أيضًا بالنية والإخلاص ، و هي من تجليات المواطنة المسؤولة الصالحة الايجابية.
اما بالنسبة للرسائل العميقة للخطاب فيمكن إبراز أهمها في توجيه رسالة للمسؤولين ان لا تهاون بعد اليوم في النجاعة والمردودية، بحكم ان المواطن ينتظر نتائج ملموسة.كما يتضمن الخطاب رسالة للأحزاب مفادها ان الإصلاح لا يتحقق بالخطاب الانتخابي، بل بالممارسة اليومية وخدمة المواطن.
و هناك رسالة موجهة للمجتمع المدني والإعلام لكي يشاركوا في تأطير المواطن، لا في تأجيج الفجوة بينه وبين الدولة.
و هناك من جانب آخر رسالة للشباب محتواها الجوهري ان التنمية المحلية هي مستقبل المغرب الصاعد، والمشاركة الفاعلة واجب وحق.
و غني عن الذكر و البيان ان المقاربة الجديدة في فلسفة التنمية عبّر عنها الخطاب الذي هو، في عمقه و جوهره، يرسّخ منعطفاً في مفهوم التنمية الترابية ، حيث لم تعد التنمية مجرد مشاريع عمرانية، بل أصبحت ثقافة وأسلوب إدارة.
و الاكيد ان التركيز على التكنولوجيا الرقمية وثقافة النتائج يعبّر عن وعي بالتحدي العصري.كما ان الدعوة إلى علاقة رابح–رابح بين المدينة والقرية تعني إعادة توزيع الثروة المجالية بشكل عادل.
خلاصة القول و مجمله ان الخطاب الملكي ليوم 10 أكتوبر 2025 هو خطاب الانتقال البنيوي النوعي من الرؤية إلى الفعل.فهو لا يعلن عن مشاريع جديدة بقدر ما يُقيِّم مساراً قائماً ويدعو إلى تسريع وتيرته، في انسجام مع ما جاء في خطاب العرش حول “المغرب الصاعد”.
نستسف من الخطاب الملكي السامي ان التنمية ليست ملفًّا حكوميًا، بل مشروعًا وطنيًا جماعيًا.
والسياسة ليست وعودًا انتخابية، بل التزام أخلاقي مستمر و امانة مقدسة إخلاصا لشعارنا الابدي الخالد:” الله الوطن الملك..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات