شهد الحقل الإعلامي في السنوات الأخيرة دخول عدد من الأشخاص الذين يقدمون أنفسهم كصحفيين دون أن يتوفروا على أبسط مقومات المهنة، ويظهر هذا الخلل بوضوح في غياب التكوين الأكاديمي وضعف المستوى الثقافي، بل وأحيانًا في محدودية المستوى الدراسي، مما ينعكس سلبًا على صورة الصحافة ويشوّه رسالتها. ومن أبرز الملاحظات أن بعض هؤلاء يكتفون باستعمال الدارجة المغربية في تقديم الأخبار أو إعداد التقارير، دون أي إلمام بالعربية الفصحى التي تظل الوعاء اللغوي الأرقى للإعلام المهني.
صحيح أن الدارجة قد تكون مناسبة أحيانًا في بعض البرامج الاجتماعية أو الحوارية، لكنها لا يمكن أن تحل محل الفصحى التي تمنح الخطاب الإعلامي قوة وشرعية وانتشارًا. وإضافة إلى العائق اللغوي، يعاني كثير من المتطفلين على المهنة من فقر معرفي واضح، فهم لا يمتلكون رصيدًا من القراءة أو الاطلاع، ولا يستندون إلى مرجعيات تاريخية أو فكرية أو سياسية تسمح لهم بتحليل الأخبار وفهم خلفياتها، والنتيجة هي إنتاج مادة إعلامية سطحية تقوم غالبًا على الإثارة والفرجة بدل الإقناع والتنوير. كما أن بعض هؤلاء لم يتابعوا تكوينًا متخصصًا في معاهد الصحافة والإعلام، بل إن مستواهم الدراسي في الأصل ضعيف، مما يجعلهم غير قادرين على احترام القوالب الصحفية أو الالتزام بأخلاقيات المهنة، وبذلك يُختزل العمل الصحفي في مجرد استعمال ميكروفون أو كاميرا دون أي عمق معرفي أو مهني. هذا الوضع يترك آثارًا سلبية على صورة الإعلام في نظر الجمهور، حيث تختلط الحدود بين الصحفي المهني والمتطفل، ويغيب التمييز بين الإعلام الجاد والإعلام العشوائي، كما يؤدي إلى تراجع المستوى اللغوي والثقافي للبرامج والمواد الإخبارية، وهو ما يساهم في إضعاف النقاش العمومي وإفقاره.
وأمام هذه التحديات، يبقى من الضروري التأكيد على أن الصحافة الحقيقية تقوم على تكوين أكاديمي رصين، وإتقان العربية الفصحى مع الانفتاح على لغات أخرى، وثقافة عامة واسعة، والتزام صارم بأخلاقيات المهنة، فبهذه الشروط وحدها يمكن للإعلام أن يضطلع بدوره كسلطة رابعة تسهم في تنوير الرأي العام وخدمة المصلحة العامة.