Ultimate magazine theme for WordPress.

الإعلام الفرنسي وابتزاز المغرب: بين المهنية المفقودة والأجندات المكشوفة

592
في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتشابك فيه المصالح، يبرز الإعلام كفاعل مركزي في تشكيل الرأي العام وتوجيه النقاشات السياسية. وفي الحالة الفرنسية، يبدو أن هذا الدور قد تجاوز أحيانًا حدود النقد المهني، لينزلق نحو مساحات من التشويه المتعمد، خاصة حين يتعلق الأمر بقضايا المغرب أو رموزه الوطنية.
بين حرية التعبير وتضارب المصالح
فرنسا، التي طالما تباهت بإرثها الإعلامي العريق، تعيش اليوم تحولات عميقة في بنيتها الصحفية. فقد باتت كبريات المؤسسات الإعلامية تحت سيطرة حفنة من رجال الأعمال، ما يطرح علامات استفهام حول استقلالية الخط التحريري. هذا التركز المالي لا يُضعف فقط التعددية، بل يفتح الباب أمام توظيف الإعلام كأداة ضغط أو تشويه، خصوصًا في الملفات ذات الطابع الجيوسياسي.
 المغرب في مرمى بعض المنابر
منذ سنوات، لاحظ المتابعون تكرار حملات إعلامية فرنسية تستهدف المغرب، سواء عبر تضخيم أحداث معزولة أو عبر تأويلات مغرضة لتصريحات رسمية. ورغم أن النقد المشروع يظل حقًا مكفولًا، فإن بعض التقارير تتسم بالانتقائية، وتفتقر إلى التوازن أو التحقق من المصادر، ما يجعلها أقرب إلى التشهير منه إلى الصحافة الاستقصائية.
 هل هو سوء فهم أم أجندة خفية؟
قد يُعزى هذا التوتر إلى عوامل متعددة:
جهل بعض الصحفيين بالسياق المغربي، ما يؤدي إلى إسقاطات غير دقيقة.
تأثير لوبيات ضغط مرتبطة بمصالح اقتصادية أو سياسية.
رغبة بعض المنابر في إثارة الجدل لتحقيق نسب مشاهدة أعلى، حتى على حساب الدقة والمهنية.
لكن الأخطر هو حين يتحول الإعلام إلى منصة لتصفية الحسابات أو لتغذية صور نمطية، ما يُضعف جسور الثقة بين الشعوب ويشوّه صورة الصحافة كسلطة رابعة.
لماذا المغرب بالضبط ؟
منذ سنوات، لم يعد تعامل الإعلام الفرنسي مع المغرب مجرد تغطية صحفية، بل تحول في كثير من الأحيان إلى سلوك عدائي ممنهج، يتراوح بين التشويه الإعلامي والابتزاز السياسي. فهل نحن أمام صحافة حرة؟ أم أمام أدوات ضغط تخدم مصالح خفية؟
 قضية “الملك المفترس”: ابتزاز موثق
في عام 2015، اهتزت الأوساط الإعلامية والقضائية الفرنسية على وقع فضيحة تورط الصحفيين إيريك لوران وكاثرين غراسيي في محاولة ابتزاز القصر الملكي المغربي مقابل عدم نشر كتاب مسيء. المحامي المغربي هشام الناصري قدم تسجيلات صوتية تثبت طلب الصحفيين مبلغ 3 ملايين يورو، وهو ما دفع القضاء الفرنسي إلى توجيه تهمة الابتزاز رسميًا، مع المطالبة بسجنهما سنة مع وقف التنفيذ.
هذه الواقعة ليست مجرد حادثة فردية، بل تكشف عن نمط متكرر في تعامل بعض المنابر الفرنسية مع المغرب: نشر محتوى مسيء، ثم فتح باب “التفاوض” المالي أو السياسي.
 بيغاسوس: اتهامات بلا أدلة
في 2021، نشرت لوموند وراديو فرنسا وميديا بارت تحقيقًا مشتركًا يتهم المغرب باستخدام برنامج التجسس الإسرائيلي “بيغاسوس” لاختراق هواتف مسؤولين فرنسيين، بينهم الرئيس ماكرون. ورغم أن الحكومة المغربية طالبت بتقديم أدلة، لم تُقدّم أي جهة إعلامية أو حقوقية ما يُثبت هذه الادعاءات. بل إن قناة فرنسا 24 طرحت سؤالًا غريبًا: “ما أدلة المغرب على عدم استخدام بيغاسوس؟”، وكأن الأصل هو الاتهام، والدفاع يقع على الضحية.
 ازدواجية الخطاب: من التشويه إلى التطبيل
مجلة جون أفريك مثال صارخ على هذه الازدواجية. ففي 2017، نشرت غلافًا يحمل عنوان “الإرهاب، ولد بالمغرب”، وفي 2018 وصفت فترة حكم العدالة والتنمية بـ”سبع سنوات من أجل لا شيء”. لكنها في 2019، وبمناسبة الذكرى العشرين لجلوس الملك محمد السادس على العرش، خصصت ملفًا من 34 صفحة بعنوان “المغرب.. العشرون عامًا التي غيرت كل شيء”، في تناقض صارخ مع خطابها السابق.
 نحو رد إعلامي مغربي واثق
لم يعد كافيًا الاكتفاء بالاستنكار. المطلوب اليوم هو:
دعم الإعلام المغربي المستقل والمهني من أجل التصدي لمثل هذه التفاهات والتأويلات.
فضح التناقضات الفرنسية بالأدلة والوثائق.
تعزيز التواصل مع الصحافة الدولية بلغة حقوقية ومؤسساتية.
إنتاج محتوى بصري وتحليلي يرد على الحملات المغرضة بأسلوب ذكي ومقنع.
المطلوب اليوم ليس تكميم الأفواه، بل تعزيز الصحافة الرصينة التي تفرق بين النقد البناء والتشويه المتعمد. فالمغرب، كدولة ذات سيادة، يستحق أن يُتناول إعلاميًا بعدالة وموضوعية، بعيدًا عن الخلفيات الأيديولوجية أو الحسابات الضيقة.
كما أن الرد المغربي يجب أن يكون عبر دعم الإعلام الوطني، وتطوير أدوات الرصد والتحليل، وتكثيف التواصل مع الصحافة الدولية بلغة مهنية تقنع ولا تهاجم.
ولحكومتنا واسع النظر..
المصطفى بلقطيبية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات