Ultimate magazine theme for WordPress.

اصبر يا عبد الصبور الشتاء الأخير .. أو حين يصير العالم رهينة كبسة زر نووي

116
بقلم: عبد الحق الفكاك
في صباح لم يحمل جديدًا سوى نذير الخراب، أفاقت العواصم على وقع الضربة الأمريكية المباغتة لمفاعل نووي إيراني قيد التطوير.
ضربة لم تكن تكتيكية فحسب، بل استراتيجية في توقيتها، رمزية في رسالتها، وكارثية في تبعاتها.
لقد دخل العالم، بهذه العملية، مرحلةً مختلفة من التصعيد: مرحلة ما بعد الخطوط الحمراء.
عودة إلى هيروشيما… ولكن من باب خلفي
في لحظةٍ مشابهة خلال الحرب العالمية الثانية، أسقطت الولايات المتحدة قنبلتها الذرية على هيروشيما، بدعوى إنهاء الحرب.
لكن الحقيقة أن تلك القنبلة لم تُنهِ فقط حربًا، بل افتتحت عصرًا كاملاً من الرعب النووي، حيث لم يعد للإنسانية سقف فوقها سوى احتمال الفناء.
اليوم، تُكرر الرواية نفسها بوجه مغاير: قصفٌ “وقائي” لمفاعل نووي، خارج أي غطاء أممي، بتبرير منع التهديد.
لكن:
من يحدد التهديد؟ من يمنح الشرعية؟ ومن يحمي حق الدول في امتلاك الطاقة النووية إذا لم تكن تابعة للمنظومة الغربية؟
خيارات الرد الإيراني: الحرب بالوكالة… والحرب المباشرة
طهران لن تسكت. هذا ما تقوله المؤشرات العسكرية والسياسية.
فإيران، وإن تعوّدت على الضغط، إلا أن قصف منشأة نووية يعد مسًّا بشريان سيادي خطير.
سيناريوهات الردّ:
رد مباشر: استهداف قواعد أمريكية في الخليج أو العراق، أو تنفيذ هجمات سيبرانية ضد منشآت استراتيجية.
فتح الجبهات غير المباشرة:
حزب الله قد يشعل الحدود الشمالية لإسرائيل.
الحشد الشعبي العراقي مستعد لتحريك الشارع والميدان.
الحوثيون قد يهددون الملاحة العالمية في باب المندب.
سوريا قد تُستخدم كممر أو ساحة للنيران المتقاطعة.
الحلفاء الدوليون: صمت ثقيل أم اصطفاف متأهب؟
روسيا، المنغمسة في أوكرانيا، قد تستغل التوتر لتشتيت الغرب، أو تباركه سرًّا كجزء من حرب المواقع.
الصين ستعتبر القصف رسالة مبطنة موجهة لها أيضًا، وستزيد دعمها لطهران اقتصاديًا ودبلوماسيًا.
أوروبا ستتخبط بين قلقها من نووي إيران وخوفها من انفجار إقليمي يهدد أمنها الطاقي والاقتصادي.
العالم: لوحة من الحروب المتداخلة
ما يجري ليس حدثًا معزولًا، بل فصل من مسرحية كونية تتعدد مشاهدها:
في أوروبا: الحرب الروسية الأوكرانية تواصل تقويض التوازن الأمني.
في آسيا: التحرش الصيني بتايوان يهدد سلام المحيط الهادئ.
في الكوريتين: مناورات نووية وتهديدات متبادلة.
في شبه القارة: الصراع الهندي الباكستاني قابل للانفجار في أية لحظة.
كل جبهة تشبه جمرة تحت الرماد… وكل زلة دبلوماسية قد تتحول إلى حرب متعددة الأطراف.
القانون الدولي: مَن يحكم هذا العالم فعلاً؟
حين تُضرب منشآت نووية خارج أي قرار أممي،
وحين تُخترق سيادات دول بحجج مرنة ومتفجرة،
وحين تُقاس قيمة الشعوب بمدى قربها من مراكز النفوذ…
فمن يحكم إذن؟
وهل بقي للقانون الدولي وزنٌ أم أضحى أداة انتقائية في يد الأقوياء؟
صوت الستين… آخر بصيص قبل الانطفاء
سيدي،
أنت يا عبد الصبور واحد ممن عاشوا ما قبل سقوط جدار برلين، وما بعد فظائع الحرب العالمية الثانية.
لاشك انك تدرك معنى أن تتوقف الحياة في لحظة واحدة، بصوت واحد، بقنبلة واحدة.
لهذا، فصوتك يا عبد الصبور ليس عادياً.
هو شهادة جيل عرف الحرب، وعرف لماذا لا يجب أن تتكرر.
قد لا نستطيع اليوم إيقاف الانفجار.
لكن على الأقل، فلنُسمِّه باسمه الحقيقي: جنون، وتواطؤ، وعالم يمضي نحو الشتاء الأخير.
وما دام في الحبر حياة، سنكتب ونكتب لك يا عبد الصبور و لمن هم يشعرون بأن العالم على حافة الهاوية .. مثلنا يا عبد الصبور.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات