Ultimate magazine theme for WordPress.

المغرب و المهاجرون الأفارقة : من يحمي من؟

450
بقلم: الحسين شهراوي
في عمق النقاش العام المتصاعد حول تدفق المهاجرين غير النظاميين من دول جنوب الصحراء نحو المغرب، تقف الدولة المغربية أمام معادلة معقدة ومثقلة بالتوترات: حماية التزاماتها الدولية، من جهة، وضمان أمن وكرامة مواطنيها، من جهة ثانية. معادلة لا تُحل بخطاب إنساني تجميلي، ولا بتدخلات أمنية معزولة، بل بسياسات واقعية تعترف بجذور الأزمة وتتحمل مسؤولية المواجهة.
1. من الطرد إلى التيه: جذور الظاهرة في هشاشة الداخل الإفريقي
لا يمكن فهم موجات الهجرة نحو المغرب دون تفكيك السياق الطارد الذي يعيشه عدد من دول إفريقيا جنوب الصحراء. فالنزاعات المحلية، الانقلابات المتكررة، الانهيار المؤسساتي، واتساع الفجوة بين السكان والثروة، كلها عوامل تدفع عشرات الآلاف إلى خوض مغامرة “العبور”، حيث لا قانون يضمن الحماية، ولا أفق واضح في الأذهان سوى الوصول إلى أوروبا، أو الموت في الطريق.
بلدان الطرد غالبا ما تغيب فيها الدولة بالمعنى الاجتماعي، وتفشل في تأمين الحد الأدنى من الكرامة، وهو ما يجعل شعوبًا بأكملها تتعامل مع الهجرة لا كخيار، بل كنجاة من موت بطيء.
2. المغرب… بلد استقبال و الوجهة المفضلة
إذا كان الموقع الجغرافي للمغرب قد جعله بوابة شبه حتمية نحو أوروبا، فإن ما ينقصه في المقابل هو تصور استراتيجي واضح لإدارة هذا التحول العميق. فهل المغرب مجرد بلد عبور؟ أم بلد استقرار؟ وإذا كان بلد استقرار، فأين سياسات الإدماج؟ أين الدعم المخصص للجماعات المحلية المستقبِلة؟ وأين الخطط الاستباقية لحماية السلم الاجتماعي؟
الواقع يشي بعجز واضح. إذ تُنقل أعداد كبيرة من المهاجرين إلى مدن داخلية وقرى مهمشة لا تملك حتى الحد الأدنى من البنية التحتية، مما يضاعف الضغط على السكان المحليين، ويفاقم الشعور بالتهميش والاحتقان في هوامش كانت بالأصل مهملة.
3. مقاربة بدون توازن: الدولة بين التزاماتها الدولية وحق المواطن
تُقدّم الدولة المغربية نفسها كشريك “موثوق” في تدبير ملف الهجرة لفائدة أوروبا، وتُسَوِّق سياساتها كأنها مبنية على التضامن والكرامة،
لكن الواقع اليومي يحمل مؤشرات مقلقة: ارتفاع عدد المهاجرين في مناطق غير مهيأة، توتر اجتماعي صامت، ظهور سلوكيات دخيلة على النسيج المجتمعي خاصة في القرى والمجالات الهشة.
هنا يطرح المواطن المغربي سؤالًا مشروعًا:
من يحميه من التحولات التي لم يُستشر فيها؟ هل الكرامة الإنسانية تُجزأ؟ هل من حق الاتحاد الأوروبي أن يُلقي بثقل أزماته على المغرب دون أن يُقابله دعم حقيقي؟
4. الهجرة وسؤال الأمن والهوية
المواطنون في مناطق متعددة من المغرب – خاصة في الجنوب الشرقي والمناطق الجبلية – لم يعودوا يخفون تخوفهم من آثار الهجرة غير المنظّمة. فالصدمة الثقافية، واختلاف السلوكيات، وغياب إدماج حقيقي، تؤدي إلى احتكاكات يومية، تنذر بتدهور الثقة وتآكل الاستقرار النفسي والاجتماعي.
هل تملك الحكومة قاعدة بيانات دقيقة عن المهاجرين المنتشرين في التراب الوطني؟ هل هناك بروتوكولات حماية نفسية واجتماعية للمواطنين؟ هل تم إشراك المجالس المنتخبة في القرار؟ أم أن تدبير الملف يتم بعقلية فوقية تُغيِّب المحلي وتراهن على الزمن وحده؟
5. نحو سياسة وطنية متوازنة: لا للكراهية، ولا للعبث
الحديث عن مخاطر الهجرة لا يعني التساهل مع خطاب الكراهية أو العنصرية. بل هو دعوة إلى سياسة وطنية متكاملة، تتعامل مع الإنسان بكرامة، ومع الوطن كأرض يجب أن تُصان. والمطلوب اليوم ليس جلد المهاجر، ولا اتهام المواطن بالعنصرية، بل مساءلة الدولة:
هل الهجرة ضمن أولويات السياسات العمومية؟
هل توجد رؤية واضحة لما بعد الاستقبال؟
إلى أي مدى تملك الجماعات الترابية الوسائل الكافية لتحمل العبء؟
في غياب إجابات شافية، ستظل الهجرة ملفًا مفتوحًا على كل الاحتمالات: من الاحتقان الاجتماعي إلى التوتر الأمني، ومن الانفجار الصامت إلى انعدام الثقة بين المواطن والدولة.
وحدها المقاربة التي تزاوج بين العدالة الإنسانية والعدالة المجالية، وبين حماية السيادة واحترام الالتزامات، يمكن أن تُخرج هذا الملف من منطق التدبير الوقتي إلى أفق المعالجة المستدامة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات