Ultimate magazine theme for WordPress.

أي ثقافة سياسية لمواجهة عالم جديد ؟ أو “الولاء من أجل الحماية”

37
بقلم: الحسين شهراوي
في مشهد رمزي بالغ الدلالة، ظهر رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز وحيدًا، معزولًا، في أقصى يسار الصورة الجماعية لقادة حلف شمال الأطلسي. لم يكن ذلك عن عبث، بل نتيجة موقفه الرافض لزيادة الإنفاق العسكري بنسبة 5%، كما طالب به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
هذا المشهد ليس تفصيلاً بروتوكولياً، بل مرآة مكبرة لثقافة سياسية دولية جديدة، تتأسس على منطق: “إما أن تنصاع أو تُقصى”.
ثقافة تُقصي السيادة، وتُسَلع المواقف، وتُعيد رسم التحالفات لا على أساس المبادئ أو المصالح المشتركة، بل وفق مزاج “زعيم مهيمن” لا يقبل الحياد ولا التساؤل.
قد يبدو المشهد بعيدًا جغرافيًا، لكنه يعنينا مغربيًا بامتياز.
فنحن نعيش في عالم تُرسم خرائطه بمقص الهيمنة، وتُرتب أولوياته وفق ما يخدم الكبار، ويُطلب من الدول الصغرى والمتوسطة أن تصطف بصمت، أو تُقصى بهدوء.
ما حدث لإسبانيا، وهي دولة أوروبية وازنة، يؤكد أن التحالفات وحدها لا تحمي أحداً إذا قرر أن يفكر بحرية.
فكيف بنا نحن في المغرب، الذي يتحرك في فضاء إقليمي وجيوسياسي معقد، تحيط به تناقضات جوار سياسي هش، ويواجه تحديات كبيرة تمتد من ملف الصحراء المغربية، إلى قضيتي سبتة ومليلية، وصولًا إلى صراعات الطاقة والماء.
في ظل هذا السياق، لم يعد مقبولًا أن نستمر في إدارة سياستنا الخارجية بمنطق “الولاء من أجل الحماية”، بل أصبح من الضروري بناء ثقافة سياسية مغربية جديدة، تجعل من التموقع الذكي والسيادة المرنة جوهر العمل الدبلوماسي والاستراتيجي.
لسنا دولة عظمى كي ندخل صدامات مفتوحة، ولسنا بلا تاريخ كي ننحني.
نحتاج إلى مسار يعترف بالتحالفات دون أن يتحول إلى تابع لها، ويوازن بين الواقع والطموح دون انكسار.
يجب تجاوز وهم “الحليف الأوحد”.
التحرّك الذكي يستدعي تنويع العلاقات: واشنطن، بكين، موسكو، بروكسيل، أنقرة، ودول الجنوب، وفق مبدأ الندية والمصلحة
لا يُسمع صوتك في الخارج إن كنت مُهملاً لعدلك الاجتماعي.
لا تُحترم مواقفك إن كنت تستورد قوتك ودواءك بعملات الغير.
السيادة ليست خطاباً دبلوماسياً، بل مشروع تنموي وثقافي واقتصادي
كفى من الانشغال بالظهور في الصفوف الأمامية للصور الجماعية، إن لم يكن لنا موقع فعلي في جدول المصالح.
كفى من تحالفات تُستخدم ضدنا حين نتردد، وتُصفق لنا حين ننساق.
ما العمل؟
بناء رؤية استراتيجية مغربية مستقلة، لا تُؤلّه أي رئيس أمريكي، ولا تعتبر أي حلف مظلة أبدية.
تطوير ثقافة النخب المغربية، لتتجاوز تمجيد التبعية أو ترويج الفرجة الدبلوماسية، نحو إنتاج موقف وطني متزن.
إشراك المجتمع المدني والمفكرين والفاعلين السياسيين الحقيقيين في نقاشات الأمن القومي، لأنه لم يعد حكراً على مؤسسات الدولة المغلقة.
عالم ترامب ليس عالماً عادلاً.
إنه عالم يُكافئ من يرضخ، ويُعاقب من يستقل.
وإن لم يكن المغرب يقظاً، فسيأتي يوم نجد أنفسنا نحن أيضاً في “أقصى يسار الصورة”، نبتسم للكاميرا، بينما تُسلب اختياراتنا خلف الكواليس.
فلنكن حيث يجب أن نكون:
رقماً صعباً، لا هامشاً جميلاً.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات