Ultimate magazine theme for WordPress.

صبرا .. يا عبد الصبور ( 7 ) حين يكون الامتحان أعمى… وتكافؤ الفرص مجرد شعار

20
بقلم: عبد الحق الفكاك
في هذا الوقت من كل سنة، يا عبد الصبور تُعلَّق الأنظار على الامتحانات الإشهادية، ويُسلَّط الضوء على التلاميذ كأنهم هم المسؤولون وحدهم عن مصير التعليم، عن النزاهة، عن الوطن كله.
تُطلق الشعارات من قبيل “تكافؤ الفرص”، “الصرامة في المراقبة”، “العدالة في التقييم”، لكن الواقع، كما تعلم يا عبد الصبور ويعلم الجميع، يحكي شيئاً آخر… أكثر قسوة، وأقل عدلاً.
وبينما في القاعة الواحدة، يُمتحن تلميذٌ ينعم بالاستقرار النفسي، يتوفر على شروط الدعم والتتبع، إلى جانب آخرٍ يتيم الوالدين ، أو تلميذ ضحية تفكك أسري نتيجة طلاق مبكر اثقل كاهليه ودمر نفسيته، أو تلميذ آخر مُشتت بين العنف والفقر والإهمال.
كل هؤلاء التلاميذ يُطلب منهم أن يبرهنوا على “نفس الكفاءة” في ظرف ثلاث ساعات أو اقل.
فأي “تكافؤ” هذا يا عبد الصبور؟ وأي “عدالة” يمكن أن تُستخرج من امتحان أعمى لا يرى ما وراء الورقة؟
الأدهى من ذلك، أن التقييم لا يأخذ بعين الاعتبار السياق الاجتماعي ولا المسار الدراسي الممتد على سنة كاملة ..
انه تعليم أقل ما يمكن يقال أنه قد يحدث أن يكون ذات سنة مجرد عطلة مفتوحة تتخللها أياما معدودات من الدراسة .
هي ساعات يا عبد الصبور قد يُختزل كل شيء في لحظة ضاغطة نفسياً، وكأن التلميذ اصبح آلة، لا روح لها، ولا ذاكرة، ولا ظروف.
ومع كل هذه الظروف وتلك الفوارق الاجتماعية و النفسية، يأتي الحديث عن الغش. و الغشاشين الصغار .
نعم يا عبد الصبور ، الغش مرفوض، و يجب التصدي له،
لكن السؤال المؤلم: لماذا نُشدّد العقاب على “الغش الصغير” في الأقسام، بينما “الغش الكبير” في الأسواق والمجالس المحلية والصفقات الانتخابية يمرّ دون مساءلة؟
كم عمارات و منازل شاهدناها تقع أمام أعيننا دون أن نسأل أنفسنا : من يوقف المتورطين في التلاعب في مواد البناء؟
وكم من تسمم راح ضحيته مواطنين أبرياء ، فمن يراقب الذين يعبثون بالمواد الغذائية؟
من يحاسب من يزور إرادة الناس في الانتخابات ، حيث بتنا نسمع أن فلانا لم يصوت عليه إلا القلة القليلة ومع ذلك فاز بالانتخابات ؟
وهل يُعقل أن يُمنع تلميذ بسيط من اجتياز الامتحان بسبب ورقة صغيرة، في حين أن من سرق الملايين يُكافأ بمنصب؟
هذه المفارقة تزرع الشك في نفوس الناشئة، اذ كيف نُقنعهم بأن النزاهة طريق النجاح، وهم يرون الغش ينمو ويترعرع ، بل يُوصل احيانا إلى السلطة والثروة؟
كيف نطلب منهم احترام القيم، إذا لم نكن نحن أول من يحميها ويطبقها يا عبد الصبور؟
المدرسة ليست فقط مكاناً للتعلم، بل مرآة تعكس المجتمع،
وإن كنا نريد فعلاً إصلاح التعليم، فعلينا أن نُصلح أولاً النظرة إلى المتعلّم: نراه كإنسان له ظروفه الخاصة، لا مجرد رقم في سجل.
علينا أن نعيد الاعتبار لمبدأ “الإنصاف”، لا عبر المساواة الشكلية، بل من خلال فهم الفروقات الاجتماعية والنفسية التي تؤثر على التحصيل.
فليكن التقييم عادلاً، ولنحاسب الجميع بالميزان نفسه، صغاراً وكباراً.
وحينها فقط يا عبد الصبور، يمكننا الحديث بثقة عن “تكافؤ الفرص”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات