في لحظة مشبعة بالمعاني السامية، اختار مغاربة مدينة مليلية المحتلة أن يُسجّلوا موقفًا بطوليًا ووطنيًا، عنوانه الطاعة الواعية والانضباط المسؤول، وذلك بالتجاوب مع التوجيهات الملكية السامية بالتخلي الطوعي عن ذبح الأضاحي بمناسبة عيد الأضحى استجابة لنداء ملك عظيم إنها لحظة فخر، تستحق أن نتأملها ونتوقف عند دلالاتها العميقة، فهي ليست مجرد استجابة ظرفية، بل تعبير راقٍ عن الانتماء الحقيقي والارتباط الوثيق بالوطن الأم، رغم كل الحدود والحواجز المصطنعة.
دروس يمكن أن نستخلصها:
1. الوطنية ليست جغرافيا.. بل موقف!
أثبت أهل مليلية أن الانتماء لا يُقاس بالمسافات ولا بالحدود السياسية، بل بالحب الصادق والولاء الواعي. رغم العيش تحت إدارة أجنبية، ظل المغاربة هناك مخلصين لهويتهم، متمسكين بمرجعيتهم الوطنية، وملتزمين بتوجيهات الدولة المغربية.
2. الوحدة الوطنية أقوى من الاحتلال
في وقتٍ يسعى فيه البعض لتشتيت الصف الوطني، تأتي هذه الخطوة الرمزية من مسلمي مليلية لتؤكد أن مشروع الوحدة الوطنية متجذر في القلوب، ولا يمكن اقتلاعه بسياسات الأمر الواقع.
مليلية لم تكن يومًا “خارج الوطن”، بل الوطن ظل حاضرًا فيها، بمشاعر أهلها ووعيهم وتاريخهم.
3. الإسلام المغربي.. نموذج في الاعتدال والانضباط
قرار الامتناع عن الذبح لم يكن خضوعًا لإكراه، بل تجاوبًا مع فتوى وطنية وتوجيه عقلاني يراعي السياق والظرفية، ما يعكس خصوصية النموذج الديني المغربي، القائم على إمارة المؤمنين، الوسطية، واحترام المؤسسات.
4. دروس في المواطنة الواعية
الامتثال للتوجيهات، خصوصًا في قضايا مرتبطة بالهوية والدين، هو شكل رفيع من المواطنة المسؤولة. أهل مليلية لم يذعنوا، بل اختاروا، عن وعي، الانخراط في موقف موحد مع إخوتهم في الداخل، مجسدين أسمى معاني التضامن والانضباط.
ما فعله مغاربة مليلية ليس مجرد خبر عابر، بل رسالة بليغة لكل من يظن أن الوطنية تضعف بالغربة أو الاحتلال. إنهم مغاربة.. بقلوبهم، بهويتهم، بإيمانهم، بحبهم للعرش، وبدفء انتمائهم الذي لا يُساوم.
فلنحييهم بكل فخر، ولنتعلم منهم معنى أن تكون مغربيًا… أينما كنت، وكيفما كنت، فالدم لا يُبدَّل، والولاء لا يُشترى، والمغرب… في القلب دائمًا.