Ultimate magazine theme for WordPress.

قيادة تتكون… وجيل يبنى ، الأمير الشاب نمودجا لمغرب الغد

166
بقلم الحسين شهراوي *
في الأزمنة المعاصرة، لم يعد المقام الملكي يكتفي بما تُضفيه البيعة من رمزية وما تمنحه التقاليد من شرعية. لقد صار لزامًا على القادة أن يجمعوا بين الأصل والمكتسب، بين الوراثة والإرادة، بين الشرف التاريخي وشرط الكفاءة ومن هنا، يبرز التكوين بوصفه حجر زاوية في هندسة القيادة الرصينة، خصوصًا حين يتعلق الأمر بورثة العرش.
نيل صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن لدرجة الماستر في العلاقات الدولية، ليس مجرد حدث بروتوكولي أو إنجاز دراسي يُضاف إلى سيرته، بل هو تجسيد لوعي ملكي عميق بأن السلطة في القرن الحادي والعشرين لم تعد تُمارس فقط من أعلى، بل تُفهم وتُحلل وتُعاد هندستها من الداخل.
الملكية، حين تستند إلى المعرفة، تتحول من مؤسسة رمزية إلى ضامن فعلي للاستقرار الذكي فالتكوين الأكاديمي لا يُعد زينة في سجل الأمراء، بل هو تعبير عن احترام الزمن، واستشراف لتعقيدات المستقبل، وتَملُّك لأدوات التحليل الاستراتيجي، في عالم تحكمه التحالفات المتحركة والمصالح العابرة للحدود.
الأمير الشاب، بتخصصه في العلاقات الدولية، لا يستعد فقط لفهم قواعد اللعبة العالمية، بل يُهيِّئ نفسه لأن يكون فاعلًا فيها وهذا بالضبط ما يجعل من التكوين مسارًا للقيادة بمنطق الدولة لا بمنطق العائلة، لا مجرد مرحلة من مراحل الدراسة.
في الدول ذات الأنظمة الملكية المتجذرة، مثل المغرب، فإن تكوين ولي العهد لا يُختزل في الحفاظ على التقاليد، بل يُصاغ ضمن تصور استراتيجي للديمومة المؤسساتية.
فالعائلة المالكة هنا لا تكتفي بتوريث الحكم، بل تُراكم الكفاءة ..والملك، حين يُعدّ ولي عهده إعدادًا أكاديميًا رفيعًا، فهو يراهن على التاريخ من موقع الشراكة لا من موقع الوصاية.
حين يُكرّس الأمير الشاب سنوات من التحصيل والانضباط ليبلغ درجة علمية رفيعة، فهو يرسم أفقًا جديدًا للشباب المغربي: أن الطموح لا يُمنح بل يُبنى، وأن الاجتهاد والجدية هما الطريق إلى التميز، مهما كانت مكانتك بهذا السلوك الهادئ والمثابر، يتحول الأمير من رمز للدولة إلى قدوة واقعية لجيل يبحث عن المعنى وسط تعقيدات العصر.
وفي زمن تعجّ فيه وسائل التواصل بنماذج زائفة، يبرز هذا النموذج بصمته المتزن، ليقول للشباب: القيادة تبدأ من الالتزام الشخصي قبل أن تتحقق في المواقع العليا وبناء مغرب المستقبل يبدأ من الإنسان.
غير أن رهان المغرب لا يتوقف عند إعداد أمير شاب على مستوى التحديات، بل يتطلب أيضًا تكوين جيل من الموارد البشرية المؤهلة علميًا وأخلاقيًا، تكون على مستوى الرؤية والطموح. فالمشاريع الكبرى، والرؤى الاستراتيجية، والرهانات الدولية، لن تتحقق إلا بسواعد مؤمنة، قوية، وأمينة.
وإنّ من واجب الدولة، ومؤسسات التعليم، والنخب الفكرية، أن تواكب هذه الرؤية بإعداد شباب مغربي يمتلك من الكفاءة ما يؤهله ليكون شريكًا حقيقيًا في مغرب الأمير الشاب، لا متفرجًا على تحوله.
إن ما يبدو اليوم مسارًا علميًا فرديًا، هو في عمقه تجلٍّ لرؤية ملكية بعيدة المدى: إعداد قائد لا يعيش في ظل التاريخ، بل يُؤسس لتاريخ جديد بثقافة جديدة، تمزج بين عمق الانتماء وجرأة العصر، بين الحكمة المتوارثة وحداثة الفهم.
حين يُصرّ الملك على تكوين ولي عهده في كبريات القضايا الدولية، فهو لا يربي فقط أميرًا، بل يُعِدّ رجل دولة وحين يختار الأمير أن يتوّج مساره الدراسي بتخصص دقيق ووازن، فهو لا يُرضي تطلعًا شخصيًا، بل يعبّر عن التزام وطني بأرقى صوره.
لكن هذا الطموح الملكي، لا يُمكن أن يزدهر إلا إذا تشكّل إلى جانبه جيل شبابي واعٍ، مكوَّن، ومؤمن بالمغرب، ومستعد لحمل مشعل المرحلة يوعد بعطاءات رائدة في المستقبل.
تلك هي الملكية الذكية، التي لا تعيش على المجد القديم، بل تُجدد شرعيتها كل يوم، بمعرفة جديدة، ونظرة جديدة، وقيادة تعد بالاستمرارية والبصيرة.
* مدير مكتب جهة مراكش

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات