Ultimate magazine theme for WordPress.

و لايزال الشرق الأوسط على صفيح ساخن ينذر بمزيد من القلاقل

144
بقلم عبد الحق الفكاك

بينما تنشغل معظم الحكومات العربية في ضبط توازنات دقيقة لعلاقاتها الدولية، ساعية لتفادي الغضب الأميركي وتجنّب الاصطفاف المكشوف في صراعات كبرى، اتخذت إيران مساراً مختلفاً تماماً.
فقد بادرت إلى تجاوز تلك الحسابات المعقدة، واختارت الردّ الصريح والمباشر على العدوان الإسرائيلي عبر رشقات صاروخية كثيفة أربكت المشهد الإقليمي والدولي، واستدعت تدخلاً أميركياً فورياً، لتصبح المنطقة مجدداً ساحة مفتوحة لتصعيد قد لا تحمد عقباه.
رغم التوقف المؤقت للعمليات العسكرية، لم تهدأ الحرب الإعلامية والنفسية ، فقد انطلقت حملة تحريضية شرسة ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، يقودها إعلام مدعوم خليجياً، يحاول إقناع الرأي العام بأن ما حدث لم يكن سوى “مسرحية” تم التوافق عليها سلفاً بين أطراف الصراع، متجاهلاً الخراب الذي لحق بكل من إيران وإسرائيل، والخسائر البشرية والمادية الهائلة، وعلى رأسها فقدان إيران لعدد من أبرز قادتها العسكريين وعلمائها في المجال النووي.
لم تقتصر الضغوط على الحرب المباشرة، بل جرى استدعاء أوراق الصراع الطائفي والعقائدي القديم، في محاولة لعزل إيران إقليمياً وتجريدها من أي دعم شعبي محتمل. لكن إيران، التي اعتادت العقوبات والضغوط، لم تبق مكتوفة الأيدي.
بل سارعت إلى رصد دقيق لكل دولة عربية ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في دعم إسرائيل، سواء من خلال اعتراض الصواريخ، أو إغلاق مجالاتها الجوية، أو حتى عبر التعاون الاستخباراتي والمشاركة العسكرية الخفية.
اليوم، يواجه الإقليم مفارقة صادمة: فإيران، ومعها خصومها الخليجيون، لم يعودوا يُنظر إليهم – من زاوية المصالح الأميركية والإسرائيلية – كحلفاء موثوقين.
بل باتوا جميعاً عبئاً متزايداً، وعناصر غير مستقرة في معادلة أمنية تسعى واشنطن وتل أبيب إلى ضبطها بما يخدم مصالحهما الاستراتيجية فقط.
هذا التحول ينذر بإعادة رسم خطوط الصراع والانتماء في المنطقة، ويجعل من أي خطاب دبلوماسي مجرد ستار هش أمام واقع تتداخل فيه الحروب بالتحالفات الخفية.
وقد لا يكون دونالد ترامب، الذي يزعم أنه “رجل سلام”، راغباً فعلاً في إشعال حروب جديدة.
إلا أن اليمين الإسرائيلي المتشدد لا يترك فرصة إلا ويسعى لتقويض أي مشروع سلام يمكن أن يصدر عن البيت الأبيض، حتى لو حمل توقيع أقرب حلفائهم الجمهوريين.
في ظل هذه المعادلات المضطربة، يبدو أن الشرق الأوسط مقبل على مرحلة جديدة لا مكان فيها للحياد، ولا قيمة فيها للمواربة.
ومن لم يحدد موقعه بوضوح، قد يجد نفسه في مرمى نيران لا ترحم، لا من العدو… ولا من “الصديق”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات