Ultimate magazine theme for WordPress.

المغرب وبريطانيا : من عمق التاريخ إلى لحظة التحول في ملف الصحراء المغربية

29
بقلم الحسين شهراوي
في منعطف تاريخي جديد، أعلنت المملكة المتحدة على لسان وزير خارجيتها، ديفيد لامي، من العاصمة الرباط، موقفًا واضحًا يضع لندن ضمن قائمة الدول الكبرى الداعمة لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، باعتبارها الحل “الأكثر واقعية وبراغماتية” لحل النزاع المفتعل. هذه الخطوة ليست مجرد تصريح دبلوماسي، بل تمثل تحولًا نوعيًا في التعاطي البريطاني مع أحد أكثر الملفات حساسية في شمال إفريقيا، وتندرج ضمن مسار طويل ومتين من العلاقات الثنائية بين المملكتين العريقتين: المغرب والمملكة المتحدة.
لقد نسجت الرباط ولندن، منذ أوائل القرن السابع عشر، شبكة متداخلة من المصالح والروابط الاستراتيجية، بدأت برسائل السلطان مولاي أحمد المنصور الذهبي إلى الملكة إليزابيث الأولى، وتواصلت عبر قرون من التعاون، تارة تجاريًا وتارة أمنيًا، دون أن تُغفل الجوانب الثقافية والروحية. فالعلاقة المغربية البريطانية لم تكن يومًا علاقة ظرفية، بل بُنيت على أسس من الاحترام المتبادل، واستقلال القرار، والرهان على الاستقرار الإقليمي.
وإذا كان السياق العالمي قد فرض أحيانًا مسارات براغماتية متباينة، فإن موقف لندن اليوم بشأن مغربية الصحراء يؤشر إلى ما يمكن تسميته بـ”عودة الروح” للعلاقة الثنائية، على أساس رؤية أكثر واقعية، وأكثر انسجامًا مع المتغيرات الجيوسياسية الدولية.
ان دعم بريطانيا للحكم الذاتي لا يعني فقط تأييدًا لحل دبلوماسي ناجع، بل هو تثمين لاستراتيجية مغربية راكمت المصداقية والشرعية، انطلاقًا من دعم أممي واسع لمبادرة الرباط منذ 2007.
ولعل دلالة هذا الموقف تتعمق أكثر حين يصدر من عضو دائم في مجلس الأمن، وأحد حلفاء الولايات المتحدة، وصديق موثوق للأمم المتحدة فهو موقف من دولة لا تتعامل بخفة مع مواقفها السيادية، ولا تقدم تصريحاتها الكبرى بدون حسابات دقيقة، خصوصًا حين يتعلق الأمر بنزاع عمره عقود ويعرف تعقيدات إقليمية ودولية حساسة.
من جهة أخرى، فإن البُعد الاقتصادي لهذا التحول لا يقل أهمية عن البُعد السياسي. فبريطانيا، التي تسعى ما بعد البريكسيت لتعزيز حضورها خارج الاتحاد الأوروبي، ترى في المغرب شريكًا استراتيجيًا مستقرًا على أبواب إفريقيا جنوب الصحراء خاصة و ان المشاريع المستقبلية المزمع إطلاقها في جهات الصحراء المغربية، في قطاعات الطاقات المتجددة، البنية التحتية، والموانئ، تفتح أفقًا واسعًا للتعاون الاستثماري البريطاني في منطقة باتت تُشكل عمقًا استراتيجيًا لمستقبل القارة الإفريقية.
هذا الموقف البريطاني الجديد لا يكتفي بفتح آفاق دبلوماسية واقتصادية فقط، بل يعزز موقع المغرب في معادلة التوازنات الدولية، ويؤكد أن الزمن لم يعد في صالح الطروحات الانفصالية، وأن مبادرة الحكم الذاتي التي تقترحها الرباط، هي الإطار الوحيد الممكن والجاد لإنهاء النزاع.
وبين سطور هذا التحول، تقف المملكة المغربية بثقة الأمم العريقة، مسنودة بتاريخ من الشراكات الذكية، ومستشرفة لمستقبل يتجاوز رهانات التقسيم والانفصال، نحو بناء فضاءات مشتركة من التنمية والاستقرار.
وإذا كان التاريخ هو مدرسة الأمم، فإن ما يكتب اليوم بين الرباط ولندن هو فصل جديد من كتاب الوفاء الاستراتيجي، يؤرخ لتحول في الرؤية العالمية تجاه الوحدة الترابية للمغرب، ويمنح للقضية الوطنية دفعة قوية نحو الحسم، ليس فقط سياسيًا، بل تنمويًا واستثماريًا وإنسانيًا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات