Ultimate magazine theme for WordPress.

ارتفاع الأسعار وانعدام المراقبة الدائمة قد يشكل تهديدًا حقيقيًا للاستقرار الوطني

179
في ظل الأزمات الاقتصادية المتتالية وارتفاع الأسعار بشكل متسارع، يجد المواطن البسيط نفسه أمام تحديات كبيرة تهدد استقرار حياته اليومية ، هذه الزيادات المستمرة في الأسعار لا تقتصر على البعد المادي فحسب، بل تمتد إلى تأثيرات اجتماعية ونفسية عميقة فكل زيادة في الأسعار لا تعني مجرد رفع تكلفة المعيشة، بل هي بمثابة جرس إنذار يعكس اتساع الفجوة بين الفئات الاجتماعية ويهدد السلم الاجتماعي، ويضع مسألة الانتماء إلى الوطن في المحك.
فعندما ترتفع الأسعار بشكل غير مسبوق، يجد المواطن البسيط نفسه في مواجهة تحديات مضاعفةحيث ان  الفقراء، الذين يعتمدون على دخل محدود، يصبحون أكثر عجزًا عن تلبية احتياجاتهم الأساسية، مثل الطعام والدواء، مما يفتح الباب على مصراعيه للاستياء الاجتماعيعلى اعتبار إن هذه الزيادات ليست مجرد أرقام على الورق، بل تمس واقع حياة الأفراد الذين يعانون في صمت، ويدفعهم القهر إلى شعور عميق بالظلم والإحباط. 
هذه المعاناة المستمرة التي لا تجد أذانًا صاغية، تتسرب ببطء إلى النفوس حتى تصل إلى نقطة الانفجار، حيث يصبح المواطن في وضع لا يحتمل المزيد من الصمت أو التحمل.
ان استمرار ارتفاع الأسعار يؤدي إلى بروز سلوك اجتماعي معقد و الأفراد الذين يعانون من العجز في تلبية احتياجاتهم اليومية يصبحون أكثر عرضة للإحباط والغضب وقد يتطور هذا الشعور إلى شعور عميق بالظلم، مما قد يحفز سلوكيات احتجاجية أو تصعيدية و هذا لا يعني فقط تزايد معدلات الاحتجاجات، بل يعكس كذلك تدهور الثقة في النظام الاجتماعي والسياسي فالمواطن الذي يرى أن وضعه المعيشي يتدهور باستمرار دون وجود حلول حقيقية، قد يبدأ في فقدان الثقة في مؤسسات الدولة وما يزيد الوضع تعقيدًا هو أن السياسات العمومية لا تعكس اهتمامًا حقيقيًا بمعالجة أزمات المواطنين في ظل هذه الزيادة المستمرة في الأسعار، مما يولد شعورًا بالعزلة الاجتماعية والاقتصادية وهذا لا يعني سوى تنامي الانفجار و الاحتقان  الاجتماعي الذي بدأ يظهر بشكل علني في بعض الأماكن، حيث يتجرأ المواطنون على التعبير عن الظلم الذي يعانونه بصوت مرتفع، متسائلين عن حقهم في ثروات البلاد التي يظلون محرومين منها رغم غناها.
وفي ظل هذه الأوضاع المزرية، تبدأ بذور سلوك  خطير في التشكّل.
 إن القهر المستمر الذي يعاني منه المواطنون الفقراء والمهمشون، وحالة الإحساس بالظلم المتراكم، يدفعهم في كثير من الأحيان إلى تبني أفكار تطالب بالحاح  بالتغيير  
فالمواطنون الذين كانوا يعبرون عن معاناتهم بصمت لأعوام طويلة، يجدون أنفسهم في النهاية أمام خيار واحد: السخط على الوضع القائم ، وعندما تصبح السياسات العمومية عاجزة عن تقديم حلول ملموسة لتحسين أوضاعهم، يتحول الاستياء إلى أفعال ميدانية تقترب أكثر من التعبير الثوري الجهري  تتجلى هذه الظاهرة في احتجاجات شعبية قد تصبح أكثر عنفًا، ومطالبات بالانصاف و المساواة و العيش الكريم   ، تزداد رغبتهم في فرض تغييرات حقيقية، ليس فقط في مستوى الحكومة، بل في إعادة توزيع الثروات والموارد التي يشعرون أنهم محرومون منها.
من جانب آخر، الأمن الغذائي يتعرض للتهديد  في وقت تصبح فيه المواد الأساسية مثل الخبز، الزيت، السكر، واللحوم غالية الثمن، يضطر البعض إلى تقليص حصصهم الغذائية أو اللجوء إلى بدائل غير صحية، مما يزيد من معدلات الأمراض ويؤثر على الصحة العامة و هذا يضاعف من القلق النفسي ويؤدي إلى ضغط نفسي مستمر على الأسر، خاصة تلك التي لا تملك الرفاهية الاقتصادية لمواجهة مثل هذه الأزمات و تصبح هذه الأزمات مصدرًا للضغط العاطفي، مما يؤدي إلى اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب والقلق، والتي تزداد حدتها مع مرور الوقت.
لكن، ربما التحدي الأكبر يكمن في تأثير هذه الأزمة على الهوية والانتماء الوطني عندما يشعر المواطن بأنه لا يجد ما يسد حاجاته الأساسية في وطنه، يتصاعد الشعور بالخذلان. الزيادة المستمرة في الأسعار تزيد من المسافة بين المواطن ووطنه، بل وقد تخلق شعورًا بعدم الانتماء، حيث يرى البعض أن وطنهم لا يوفر لهم الحد الأدنى من الأمان المعيشي. في هذه الحالة، يصبح السؤال عن العدالة الاجتماعية والإنصاف أكثر إلحاحًا، وتبدأ الشكوك تتسلل حول قدرة السياسات العمومية  على تلبية احتياجات المواطنين بشكل عادل و هذا النوع من الاستياء الاجتماعي قد يؤدي إلى تهديد وحدة الوطن ويجعل الانتماء إلى البلد مسألة مشكوك فيها.
إن استمرار ارتفاع الأسعار يساهم في اتساع الفجوة الاجتماعية بشكل متسارع ويؤدي إلى بروز سلوكيات اجتماعية معقدة تهدد التماسك الاجتماعي في ظل هذه الأوضاع، يصبح المواطن في حالة استنزاف نفسي وعاطفي، ويضع هذا الوضع مسألة الانتماء إلى الوطن في المحك. 
ومع استمرار القهر الاجتماعي وعدم الاستجابة لمطالب الناس، تتنامى ميولهم نحو سلوك ثوري قد يشكل تهديدًا حقيقيًا للاستقرار الوطني و  الحل يكمن في التعامل مع هذه الأزمة بطرق مبتكرة وفعالة، عبر تقليص الفوارق الاقتصادية وتحقيق العدالة الاجتماعية، والاهتمام بتعزيز الثقة بين المواطن والدولة، وبالتالي الحفاظ على السلم الاجتماعي وإرساء أسس الانتماء الوطني المستدام.

الحسين شهراوي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات