إن من أخطر ما أصاب اﻷمة ، هو عدم تفريقها بين اﻹختلاف والخلاف ، وبين التنافس والتنازع ،و التدافع السياسي والعداء السياسي، وبين الصراع اﻹيجابي الذي تحكمه قواعد يلتزم بها الجميع، والنزاع المذموم الذي يؤدي الى تدمير الذات و بين الجدال بالتي هي أحسن و التراشق بالتي هي أخشن .و لو قدر لكل المعارضات في العالم العربي حمل السلاح لتقاتلت إلى يوم القيامة كما كان العرب يتقاتلون في الجاهلية لسنوات على ناقة أو بيت شعر كحرب البسوس و داحس و الغبراء ، لأن العرب سريعا ما ينتقلون من الحرب الكلامية إلى اﻹقتتال وقديما قال شاعرهم : فإن النار بالعودين تذكى وإن الحرب أولها كلام . لذلك فالله سبحانه وتعالى اﻷعلم بنفسية العربي ، وضع ضوابط أخلاقية لإدارة الصراع بين المسلمين .فأجاز التنافس حينما قال:”وفي ذلك فاليتنافس المتنافسون”ونهى عن التنازع الذي يؤدي إلى التدمير.”ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ” .و أمر بالكلمة الطيبة و نهى عن الكلمة الخبيثة عند النقاش “وقولوا للناس حسنا” “و جادلهم بالتي هي أحسن “. ودعى إلى التناصح الذي يقوي الجسد الواحد ونهى عن الصراع الذي يؤدي إلى التفرقة .”واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا.واذكروا نعمة الله عليكم،إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفى حفرة من النار فأنقذكم منها،كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون.” .و في المقابل نهى عن الظلم و التظالم و الركون إلى الظالمين و المفسدين “إن الله لا يصلح عمل المفسدين “ “و لا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار “. هناك شعرة بين اللين عند الإصلاح و الميل إلى الانبطاح. وهذا هو المفهوم الحقيقي للوسطية في المعاملات مع الناس كافة بدون إفراط و لا تفريط و هذه هي السياسة الشرعية التي بدونها لن تنقد الأمة و لن تصل إلى التقدم و الازدهار المنشود . أما الفساد و الإفساد بالألاعيب السياسية و التطرف الديني و الا ديني و التعصب ذات اليمين و ذات الشمال و التشدد و الغلظة كل ذلك لن يؤدي سوى لمزيد من التباغض و التشرذم و الهلاك .