Ultimate magazine theme for WordPress.

دونالد ترامب ومكانة المغرب الاستراتيجية

135
بقلم الحسين شهراوي

حين يصبح الشرق الاوسط ساحة لاعادة التشكيل يجب علينا ان ننظر الى المشهد بابعاده المتداخلة لا فقط بمنظور العدو و الصديق بل من زاوية التوازنات الكبرى التي تحكم المصالح.
الشرق الأوسط يشهد تحولات كبرى عشية بداية الفصل الثاني من حكم ترامب ، والمغرب ليس بعيدًا عن تداعياتها، لكنه يتعامل معها ببراغماتية، لا بعواطف أو تحيزات إيديولوجية. ما يهمنا هو أمننا القومي، وحدتنا الترابية، واستقرارنا الداخلي، وأي حدث يخدم هذه الأهداف مرحب به، وأي تطور يهددها يجب التعامل معه بحذر.
نعم ان تحجيم إيران مكسب واضح للمغرب، ليس فقط لأنها خصم مباشر في إفريقيا وأوروبا، ولكن لأنها تمارس سياسة اختراق ناعمة وخشنة على الساحة المغربية و حضورها يخلق فرصًا للاختراق الأمني ويعزز الطرح الانفصالي، لدلك فان إضعافها سيحدّ من هذه المخاطر. كما أن سقوط نظام الأسد، الذي لم يخفِ يومًا دعمه للبوليساريو واعترافه بالكيان الوهمي، يصبّ في نفس الاتجاه. الأمر ذاته ينطبق على حزب الله، الذي يمثل الذراع العسكري الأهم لمحور معادٍ للمغرب، ويشكّل تهديدًا مباشرًا عبر دعمه للجماعات الانفصالية.
أما حماس، فالتعاطي معها يحتاج إلى تمييز بين البعد الإنساني للقضية الفلسطينية، الذي لا خلاف عليه، والبعد السياسي والإيديولوجي للحركة، الذي يجعلها امتدادًا للإخوان داخل المغرب. أنصارها مغاربة، لكن ارتباطهم الثقافي والسياسي بالمشرق أقوى من انتمائهم الوطني، ما يجعلهم عاملًا خارجيًا داخل البيئة السياسية المغربية. حضورها القوي يُبقي خطابًا إخوانيًا نشطًا قد يعرقل المصالح الوطنية، لذلك فإن تحجيمها يخدم استقرار المغرب ويحدّ من التأثيرات الخارجية غير المرغوب فيها.
لكن في المقابل، لا يمكن القبول بانتصار إسرائيلي كاسح يجعلها قوة بلا كوابح في المنطقة. إسرائيل، اليوم، تتحرك بمنطق المنتصر المطلق تحت غطاء أمريكي كامل، وإذا استمر هذا الاتجاه دون موازنات، ستتعامل مع الجميع، بما في ذلك المغرب، من موقع الفرض لا التفاوض. صحيح أن الاعتراف بمغربية الصحراء مكسب دبلوماسي، لكن السياسة ليست التزامات ثابتة، وإذا شعرت إسرائيل بأنها فوق الجميع، فقد تعيد النظر في كثير من التفاهمات، وقد ترفع سقف مطالبها بشكل يفوق ما يمكن للمغرب تقديمه.
الإشكال الحقيقي ليس في إسرائيل بحد ذاتها، بل في الولايات المتحدة، التي تدير المشهد وتعيد ترتيب النفوذ في المنطقة بشكل غير واضح حتى الآن. واشنطن اليوم تتعامل حتى مع حلفائها التقليديين بمنطق المصالح المتغيرة، وتوجه ضربات سياسية واقتصادية لأوروبا وكندا وغيرها، في رسالة مفادها أن لا شيء ثابت في السياسة. فهل هدفها هو احتلال غزة؟ أم دفع المنطقة إلى تنازلات كبرى، مثل الإنهاء الكامل لحماس والتطبيع الشامل؟ أم أن هناك ما هو أعمق من ذلك؟
في ظل هذه التحولات، يبقى المغرب في موقع المراقب الذكي، يستفيد من إضعاف خصومه، لكنه لا ينجرف في دعم أي طرف لدرجة تفقده توازنه الاستراتيجي. المطلوب هو الإبقاء على توازن هشّ في المنطقة، دون أن تهيمن عليها قوة مطلقة، سواء كانت إيران أو إسرائيل.
فالعبرة في النهاية ليست في من يربح المعارك، بل في من يعرف كيف يحافظ على مكاسبه دون أن يُدفع إلى لعب أدوار أكبر مما ينبغي.
في النهاية، السياسة ليست معركة خير وشر، بل موازنة دائمة بين المكاسب والخسائر. المغرب لا يمكنه أن يكون لاعبًا عاطفيًا في مشهد متغير، بل عليه أن يظل براغماتيًا، يحافظ على مصالحه بحذر، ويتجنب الانخراط في تحالفات تُضعف هامش مناورة قراره السيادي. تحجيم خصومه مكسب، لكن انتصار أي طرف بشكل مطلق قد يخلق تهديدًا جديدًا على المدى الطويل. لهذا، لا يجب التعجل في الاصطفاف مع أي محور دون دراسة عميقة للعواقب. الشرق الأوسط يتغير، والمغرب، بحكم موقعه وعلاقاته، قادر على الاستفادة من هذه التغيرات، شرط أن يتحرك بذكاء، بلا اندفاع ولا تردد، بل وفق رؤية استراتيجية متوازنة تحفظ أمنه واستقراره ومكانته في المعادلة الإقليمية والدولية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

التخطي إلى شريط الأدوات